جماعة اللصوص وتقاسم الثروة
الرقم قوة، يقول المفكر الاميركي ناعوم تشومسكي. دعونا نتذكر بعض الاقام المهمة ذات العلاقة بالمسألة اليمنية طبقاً لقاعدة: دع الرقم يتحدث. سنتذكر تلك الارقام التي بمقدورها ان تضيء المشهد موضوع الحيدثز فقد اعتاد الاعلام العالمي مسنوداً بمنطق رسمي محلي، علي ان يصف اليمن بأفقر الدول العربية، ولكن هل اليمن هو بالفعل الدولة الأفقر.
– مروان الغفوري –
من المناسب ان نذكر من سيقرأ هذه الارقام انا نفضل القول (فرطت الدولة) عن مقولات اخرى يمكن ان تصلح في هذا السياق.
في احيان كثيرة يعود هذا التفريط الي الفشل اكثر منه الى الفساد. – من الممكن ملاحظة ان القيادة السياسية تزج بطوابير من الفشلة بالموازاة مع طوابير من الفسدة، في ادارة الشأن اليمني العام.
وبين هذين الطابورين- الذي يارفقهما الطابور الثالث: الفشلة الفسدة- تضيع عشرات المليارات من الدولارات. ويخرج اليمن عن سكة السلامة.
حسناً.. في واحد من خطابات الرئيس الجديدة في عدن، امام البحرية هذه المرة تساؤل عن تلك الثروة التي يريدون- ولم يقل من هم- ان يقتسموها.
قال الرئيس صالح ان اليمن ينتج 370 الف برميل من النقط يومياً. وان هذه الكمية تذهب مناصفة بين الدولة والشركات.
لم يقل الرئيس ان اليمن كان ينتج 456 الف برميل يومياً ابتداءاً من العام 2002م. كان سعر برميل النفط في تلك الاثناء ما بين 40 و 60 دولار.
تتحدث الدراسات الاجنبية عن حالة النفط في اليمن عن العام 2002 بحسبانه ذروة الانتاج النفطي اليمني.
كانت الموازنة العامة تحدد على افتراض 22 دولاراً لسعر البرميل الواحد. لقد كان اليمن يجني قرابة العشرة مليارات دولار من النفط، يقتسمها بطريقة غير مفهومة مع الشكرات.
لم تكن الحكومة تفيد اخر كل سنة مالية بأي معلومات عن اكثر من 3 مليارات دولار هي فارق السعر الحقيقي للنفط دعونا نقل : 15 مليار دولار تقريباً حتى العام 2007. لنضع في الحسبان ان الانخفاظ التدريجي لكمية الانتاج يمكن الاستعاضة عنه بالزيادة التدريجية في سعر البرميل.
فبرغم ان كمية الانتاج اليومي هبطت من 456 الف برميل في اليوم الى 370 الف برميل (اقل من 25%) الا ان سعر البرميل الواحد وصل مع نهاية العام 2007م قد حقق زيادة بلغت (300%). دعونا نتذكر تصريحاً لرئيس مصلحة الضرائب، في حوار مع صحيفة 26 سبتمبر، حول فقدان الخزينة العامة للدولة لـ 80% من عائداتها الضريبية عبر التهرب والتهريب الضريبي. في اللقاء الصحفي مع صحيفة 26 سبتمبر، معززاً بلقاء اخر في السياسية. تحدث غالب، رئيس مصلحة الضرائب.
عن مليار ونصف المليار دولار كعائد ضريبي سنوي يصل الى الخزينة مرة اخرى. عملية حسابية بسيطة ستؤكد لنا ان اليمن تفقد 6 مليار دولار سنوياً بسبب الفساد الضريبي. هناك مصادر اخرى يمكن ان ترقد الخزينة العامة، ومن المتوقع ان يشارك فيها القطاع العام المملوك من قبل الدولة، فضلاً عن الجمارك والرسوم الخدمية التي لا حصر لها، وقطاع السياحة. كل هذه من المتوقع، كما يمكن ان يفكر اي طالب مبتدئ في كلية الاقتصاد، ان ترقد الخزينة العام بأكثر من 4 ملياراات دولار سنوياً، واذا كان لدينا حكم رشيد وادارة كفؤة وكافية فيمكن مضاعفة هذا الرقم في سنوات قليلة. في المحصلة النهائية، بحساب كل ما سبق، يمكن القول ان الخزينة العامة للدولة رفدت بـ 17 مليار دولار سنوياً (5 مليارات دلوار عائدت النفط، 4 مليار دولار عائدات القطاع العام، 8 مليار دولار كعائد ضريبي) في تلك السنين الخمسة، 2002-2007 فهي الفترة التي سبقت تسارعاً مهووساً فثي نمو الطلب على النفط وزيادة واسعة في مساحة الطبقة الوسطى في عديد من دول الاسواق الناشئة.
وعندما نقول: طبقة متوسطة، فنحن نتحدث عن ملايين السيارات الجديدة التي تباع سنوياً في الاسواق. 17 مليار دولار اجمالي الرافد السنوي- الافتراضي- الى الخزينة في الفترة المشار اليها، فكن فيما يبدو فإن الخزينة فقدت الجزء الاكبر على هذه الشاكلة: ستة مليار دولار اجمالي الفاقد الضريبي، 3 مليار دولار من عائدات النفط (ضاعت في الزحام)، وبالنسبة لمردودات الجمارك والقطاع العام وبقية الرسوم المدفوعة- فضلاً عن عائدات قطاع السياحة- لا نملك اي تصور رقمي عنها، في المحصلة كان لدينا موازنة سنوية من خمسة مليارات دولار، تجاوز العجزر فيها الـ 20%ز هذه الارقام هي مقاربة شديدة الاحتمال مبنية على منطق وبيانات، بلغة الارقام لقد خسرت الخزينة العامة- او فرطت قيادة البلد- بما يتجاوز 12 مليار دولار سنوياً، وبحصيلة اجمالي تصل الى 60 مليار دولار في خمس سنوات، لاحظا اننا نتحدث بلغة الرقم، واننا ايضاً اهملنا من هذه العملية الحسابية مصادر دخل سيادية يأتي القطاع السياحي في مقدمتها، ولم نشر الى تلك الكارثة التي اعلنت في البرلمان: الربح السنوي للمؤسسة الاقتصادية يساوي صفراً. كما اغفلنا قدرة القطاع العام- التصنيع المملوك للدولة- على رفد الموازنة العامة بشكل حقيقي وفعال، كما تفعل دول كثيرة في العالم لا تزال الدولة فيها تدير الاقتصاد كلياً او جزئياً، وفي مقدمتها الدولة الاسيوية كالصين وماليزيا. ثمة امر اخر لا يقل اهمية، فنحن لا نزال نتحدث عن مصادر الدخل المتوفرة، والممكنة، اي اننا لم نقل على سبيل المثال، ان الدولة فشلت على مدى سنوات طويلة في ابتكار مناطقة اقتصادية وطنية مهمة وهذه يطلق عليها الاقتصاديون مصطلح NKEAk، وهو اختصار لجمة National Key Economic Areas. لأن الادارة الفاشلة لا تبتكر، انها فقط تجر الى مزيد من الالم يستحسن ان نشير الى ان الادارة الفاشلة هي صنيعة قرار سياسي لا يرى في الوطن سوى مجموعة من الحسابات النفعية الخاصة، وبلغة الساسة الكلاسيكيين: الولاء بدلاً عن الكفاءة.
لنعد الى الصورة الرئيسية: لدينا قيادة لم تفشل فقط في ابتكار قطاعات دخل وطنية يمكن ان تساعد على خروج اليمن من مربع (افقر دولة عربية), بل اكثر من ذلك، لقد فرطت هذه القيادة في مصادر الدخل القومية اليسيرة والمتوفرة.
من المناسب ان نذكر من سيقرأ هذه الارقام اننا نفضل القول (فرطت الدولة) عن مقولات اخرى يمكن ان تصلح في هذا السياق، في احيان كثيرة يعود هذا التفريط الى الفشل اكثر منه الى الفساد، لكن الحقائق النهائية دائماً ما تقول ان الفشل هو فساد مؤكد. من الممكن ملاحظة ان القيادة السياسية تزج بطوابير من الفشلة، في ادارة الشأن اليمني العام. وبين هذين الطابورين- اللذين يرافقهما الطابور الثالث- الفشلة الفسدة- تضيع شعرات المليارات من الدولارات، ويخرج اليمن عن سكة السلامة- لا يمكننا ان نفغل تلك القاعدة الذهبية ان تعيين الفاشل هو فساد، وخيانة للوطن.
اما تعيين الفاسد في مفاصل مهمة تتعلق بالشأن العام- حيث تجري شرايين رفد الخزانة العامة ولو على مستوى ريال يمني واحد- هو سلوك لا يقل في بشاعته، على المدى المتوسط والطويل، عن جرائم الابادة الجماعية، هذه ليست مبالغة كاريكاتورية. مؤكد انكم تعلمون ان الامر يصبح كذلك بعد فترة من الزمن.
لنتذكر هذه اللقطة المخيفة، وهي مجرد مثال بالغ الدلالة. ترفد كلية الطب صندوق جامعة صنعاء بحوالي ستة ملايين دولار سنوياً من عائدات التعليم الموازي (بالمعدل: 150 طالباً في كل مستوى، يدفع كل طالب حوالي 5 الف دولار، وعدد المستويات الدراسية ستة) لاحظوا اننا نتحدث فقط عن كلية الطب. ومع ذلك يعلن رئيس جامعة صنعاء امام البرلمان ان العائد الاجمالي السنوي للتعليم الموازي لا يتجاوز المليون دولار، ذهبت كلها في شراء تجهيزات لكلية طب الاسنان، يمكن للقارئ تخيل رئيس جامعة صنعاء وهو يقول لاصدقائه: لقد ضحكت على البرلمان).
لا داعي للخوض في هذا المثال، فقط دعونا نسحبه على بقية مفاصل الدولة: من المدرسة الى وزارة النفط، مروراً بكل شيء تقريباً، تخيلوا اذن كم الفاقد من المال العام، الذي كان من الممكن ان يتحول الى بنية تحتية صلبة ودائمة.
حتى الاستثمار الخارجي، والمال الخارجي بكل صورة، لا يمكن ان يفد إلى بلد لا يتوافد على الحد الادنى من البنية التحتية المادية، والمالية، والقانونية، وبخلاف ذلك فسيوجد استثمار محدود في قطاعات الطاقة والمواد الاولية- المصادر الارضية النادرة- على نحو ما شاهدناه في مشروع الغاز المسال في بلحاف.
فقد قرأتم، كلكم، تلك التقارير المرعبة التي اخبرتنا ان اليمن ربحت 50 مليون دولاراً مقابل مليار وثمانمائة مليون دولار للشركة/ ات.
بالعودة الى خطاب الرئيس امام البحرية عدن. لو راجعنا الرقم جيداً: 370 الف برميل نفط، فان علينا ان نتذكر وقائع جديدة مهمة، يتوقع الاقتصاديون ان يتجاوز سعر البرميل النفط المائة دولار في 2011.
ويعزي هذا الامر الى نمو الطبقة المتوسطة في دولة الاقتصادات الناشئة بقوة وما يترتب على ذلك من زيادة الطلب على سوق السيارات، كما يذهب المفكر الامريكي بول كروغمان في مقالة حديثة في الهيرالد تريبيون.
ولكي تكون الصورة اكثر وضوحاً: من المتوقع ان تتجاوز مبيعات السيارات في البرازيل لهذا العام 4 مليون سيارة.
اما في بكين لوحدها، وليس في الصين. فمتوقع ان يتجاوز الرقم حاجز المليون ومائة الف الذي سجل في العام الماضي. ملحوظة: تحاول الصين ان تخفض هذا الرقم الى الربع. اما بالنسبة لاندنوسيا فان حجم الطبقة المتوسطة تجاوز الثلاثين مليون مواطن سيتجهون الى سوق السيارات بكل تأكيد.
وعندما نتحدث عن الهند ستصبح الصورة اكثر وضوحاً وجلاءاً. نقول هذا الكلام لندعم تلك الفكرة حول الارتفاع الوشيك في اسعار النفط بطريقة ستشبه الى حد بعيد ما حدث في الفترة الممتدة ما بين سبتمبر 2001 وسبتمبر 2008م واذا حدث هذا فان من المتوقع ان يكون عائد الدولة من النفط- بعد خصم عائد الشركات- للعام 2011 مساوياً لسبعة مليار دولار.
اضف الى ذلك المصادر الاخرى، وفي مقدمتها الغاز، والمعادن، والقطاع العام، والسياحة والضرائب والجمارك السوم المحلية الداخلية. و… الخ
ان البلد يفقد المال بطريقة سفيهة وانتحارية وقبل ان نفكر بابتكار موارد عامة علينا ان نسد كل تلك المنافذ التي تهرب المال. لقد فعلت تركيا امر مثيلاً، كما ورد على لسان رئيس وزرائها اردوغان وكانت النتائج سحرية، طبقاً له ، بين تركيا ذات الـ 250 مليار دولار ناتجاً سنوياً وتركيا ذات الـ 800 مليار دولار ادارة جيدة ووطنية لم تعمل في اول مراحل ادارتها سوى على سد منافذ هروب المال العام!
اما روسيا فقد اعلنت عبر قيادتها السياسية ان الفساد هو الخطر الذي يهدد الامن القومي وان مهمة الدولة واجهزتها هي التصدي لهذا الخطر الذي ينال من مستقبل الامة الروسية، وبالنسبة لنا فنحن في اشد الحاجة الى جاهز للأمن القومي مهمته حماية المال العام، على مستوى الريال فما فوق. فنحن ندرك يقيناً ان ما يهددنا هو الفساد والفشل واللامبالاة، وتلك الطفيليات التي تنهش اكباد المساكين.
لكن ما هو الشكل المقترح لجهاز الامن القومي هذا في الوماقع: هو جهاز كبير اسمه (الحكيم الرشيد) وعندما نقول (الحكم الرشيد) فنحن بالطبع، نقول ان حكماً تسبب في فقدان 60 مليار دولار في خمسة اعوام فقط لابد وان يكون حكماً غير رشيد، ولكي لا نكون متهورين في الحديث عن الفساد في اليمن، فمن اللائق ان نشير الى ان الية تفكير القيادة السياسية في اليمن لا تتفق معنا في تعريف الفساد.
فمثلاً ينظر الى عمليات التهريب الضريبي والنهب والاختلاس والابتزاز والاستحواذ والاحتكار، وكل تلك العمليات القاتلة للمجتمع على انها عمليات (تحدث) ويمكن استخدامها مركزياً من اجل تدعيم شبكة الولاء.
امر لا علاقة له باخلاقيات وقواعد الحكم الرشيد.
بمقابل هذا الالية الضد- اجتماعية- التي يمارسها النظام عبر شبكته المريعة ستتولد انماط مجابهة عن التفكير والسلوك اذ ستنشأ جماعات عنيفة ترى ان الاعتداء على المال العامة ومهاجمة املاك رجال شبكة الولاء، ليس سوى عمل نبيل مهمته الدفاع عن النفس ضد عائلة الفقر والحرمان. فعندما وصل اوليفر تويست، في رواية ديكنز ذائعة الصيت، الى مدينة لندن اختطفته جماعة من اللصوص. علمه كبيرهم.
بعض الحيل الذكية في التقاط الاشياء الثمينة من الجيب، لكن اوليفر توبست احس بحرقة شديدة في الضمير، اعترض على معلمة الجديد قائلاً: كنا نمسي هذه العملية في الكنسية (سرقة) فيرد عليه المعلم الذي عركه الجوع في شوارع مدينة الضباب: ولكننا نطلق عليه هنا “إعادة توزيع الثروات)”!
نقلا عن صحيفة الصحوة